علياء حامد -
المستشار حسني عبد الحميد مساعد المدعي الاشتراكي الأسبق
كانت مهمته محاربة الفساد.. واجه قضايا وملفات صعبة أثناء توليه منصب مساعد المدعى العام الاشتراكى، من بينها قضايا فساد تخص عصمت السادات، ورئيس جامعة عين شمس، إلى جانب ملفات تجار العملة، وقضية لقبت وقتها بـ«سيد الجمارك المصرية»، ورغم ذلك وصف المستشار حسنى عبدالحميد الفساد الذى كان يواجهه فى الثمانينيات بأنه كان مجرد «طفل» مقارنة بالفساد الذى زخر به عصر مبارك.
عُين المستشار حسنى عبدالحميد عقب تخرجه فى كلية الحقوق عام 1957، فى هيئة قضاء الدولة، ثم تم ندبه محاميا للحكومة السورية خلال فترة الوحدة مع مصر، وبعد عودته ندب للعمل فى لجنة تصفية الإقطاع برئاسة المشير عبدالحكيم عامر، ثم مستشارا قانونيا لمؤسسة روزاليوسف، ثم رئيسا لمحكمة أسيوط الإدارية والتأديبية، ليفاجأ بخبر فى جريدة الأهرام بقرار ندبه مساعدا للمدعى العام الاشتراكى فى 11 أغسطس 1980 ليظل فى منصبه حتى عام 1986.
6 سنوات قضاها عبدالحميد فى هذا المنصب لكنه شعر، بحسب وصفه، أنها كانت 60 عاما.. واجه خلالها أحداثا وقضايا عصيبة، قال إنه كان يتمنى لو أنه لم يشغل هذا المنصب على الإطلاق، بسبب ما واجهه من قضايا فساد.
● ما أهم القضايا التى باشرتها أثناء توليك منصب المدعى العام الاشتراكى؟
ــ أولا أود أن أقول إن أسوأ ما فى جهاز المدعى العام الاشتراكى أنه جهاز استثنائى، لا يحفل فى مجال الإدانة بتوافر الأدلة ولكنه يأخذ بالشبهات، وهى مسألة كانت تؤلم ضميرى كرجل قضاء لا يحكم إلا بالأدلة والبراهين، لكنى استطعت أن أوفر «توليفة» تبرز فيها الأدلة وليس الشبهات.
أذكر أن أول قضية باشرتها كانت فرض الحراسة على الدكتور عبدالعزيز سليمان، رئيس جامعة عين شمس، وكانت محاكمته محل رفض هيئات كثيرة وقبول هيئات أخرى.
وهناك قضية عصمت السادات، شقيق الرئيس الراحل أنور السادات، والتى تناولتها بناء على طلب من الرئيس مبارك شخصيا، وكثيرا ما كان الجهاز يركن فى تحركاته إلى الشبهات؛ وقد نسب إليهم استغلال صلة القرابة بالرئيس الراحل، ليأتوا أفعالا يعاقب عليها قانون المدعى العام الاشتراكى، ولم تكن قضية سهلة لأنها شهدت أحداثا عصيبة على رأسها إيداع عصمت السادات وأولاده سنة بالسجن تحت مسمى الإيداع فى مكان أمين.
أذكر أيضا قضية تجار العملة التى كانت تستمد خطورتها من أن الخزانة المصرية فى هذه الفترة لم يكن فيها دولار واحد، وكانت الغلبة والريادة لتجار العملة خاصة فى الخليج، حيث كانت مصر تعتمد عليهم لتجميع العملات الأجنبية.
وهناك قضية تاجر أخشاب الإسكندرية، رشاد عثمان، وكان طاغية فعلا، لا يفرق عن أحمد عز فى شىء، غير أن الأخير متعلم بينما عثمان كان لا يعرف القراءة والكتابة، لكنه كان يسيطر على أعضاء مجلس الشعب وكان منتميا للحزب الوطنى الديمقراطى فى عصر مبارك، وما يريده يتم تنفيذه، وكانت قضيته مخدرات و«تهرب جمركى»، وكان يطلق عليه وقتها «سيد الجمارك المصرية».
ومن أخطر الأحداث التى حملت فى رحمها تطورات اليوم، المصرف العربى الدولى، الذى يقوم قانونه أو قاعدة تأسيسه على السرية الكاملة لأسماء العملاء وأرصدتهم، ولا يجوز لأى سلطة فى مصر أيا كان موقعها أن تفرض على البنك الكشف عن حسابات أحد، ومن حقى اليوم أن أفخر بأننى كنت المسئول الأول والأخير الذى فرض على هذا البنك الكشف عن حسابات الخاضعين لقانون المدعى العام الاشتراكى، وكان هذا فى عهد رجل من أعظم رجال مصر، هو الدكتور مصطفى خليل رئيس البنك وقتها، والذى كان رجلا طاهر اليد لا تشوبه شائبة، وكان البنك فى أعظم أمجاده، وقد حيانى على جهودى فى الكشف على الحسابات، على عكس ما يحدث اليوم، وما أثير من أن رءوس الأموال هربت من خلال البنك الذى لا يتم التعامل فيه إلا بالعملات الأجنبية، وقمنا بنقل الأرصدة المحجوز عليها إلى البنوك القومية، ليحرم البنك العربى الدولى منها وتستفيد منها البنوك المصرية القومية، وظللت على هذا المنوال فى أدائى حتى تركت مكتب المدعى العام إثر خلاف حاد مع رئيسه.
● تقول إن مبارك كان شديد الإعجاب بأدائك، هل حاول الاتصال بك بعد تركك للجهاز؟
ــ بعد تركى للجهاز رشحنى مبارك لمنصب كبير، وأبلغنى به فى هذا الوقت الدكتور مصطفى الفقى الذى كان يشغل منصب مدير مكتب الرئيس للشئون السياسية، لكن الغريب أن هذا الترشيح لم يكتمل لأن الرئيس كان به ضيق من جهتى بسبب كثرة أحاديثى الصحفية بعد تركى العمل، حيث أجريت وقتها 38 حديثا لصحف مصرية وأجنبية، وكان الرئيس لا يتقبل هذا بارتياح، فقال لى الفقى «من اليوم لا تجرى أحاديث»، فوافقت لكن إرادة ربنا كانت أعلى، حيث كان هناك حواران أدليت بهما ولم ينشرا إلا بعد هذا الوعد، فظن الرئيس أنى أخالفه، فتراجع عن الترشيح.
● أثناء عملك فى الجهاز هل مورست عليك ضغوط لإصدار أحكام بعينها؟
ــ الموت عندى أهون مما تقولين، فهذا لم يحدث أبدا.
● بعد تركك للمنصب.. ما رأيك فى أداء جهاز المدعى العام الاشتراكى هل كان يستخدم لأغراض بعينها؟
ــ بلا جدال، فالمذكرة الإيضاحية لقانون المدعى العام الاشتراكى كانت تتحدث عن المسئولية السياسية وليس المسئولية القضائية، وكان هذا لا يرضينى، فكان يستخدم للإطاحة بالمنافسين السياسيين، وكنت أبذل جهدا لإثبات الأفعال المحرمة فى قانون المدعى العام الاشتراكى بالأدلة وليس بالشبهات.
يشار إلى أنه بحسب المادة 179من الدستور، يكون المدعى العام الاشتراكى مسئولا عن اتخاذ الإجراءات التى تكفل تأمين حقوق الشعب، وسلامة المجتمع ونظامه السياسى، والحفاظ على المكاسب الاشتراكية والتزام السلوك الاشتراكى، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى، ويكون خاضعا لرقابة مجلس الشعب، وذلك كله على الوجه المبين فى القانون.
● كيف تلقيت قرار حل جهاز المدعى العام الاشتراكى عام 2007، وما تقييمك له؟
ــ لا أخفيك أننى ناديت كثيرا بحل الجهاز فى الصحف والقنوات، وهاجمت الجهاز والمدعى نفسه وأحداث الفساد داخله، والتى كانت تفوق الوصف، رغم أنه كان مفترضا أن يحارب الفساد، وشملت رشاوى ومجاملات ومحاربة لليد النقية، وهو ما انتهى بقرار إنهاء ندبى بعد أن أصبح رئيسه غير قادر على تحمل العمل النظيف، ولم أفكر فى أن الحرب التى شنتها على الجهاز تنتهى بإلغائه.
وبعد تعديلات الدستور التى ألغت المادة 179 الخاصة بالمدعى العام الاشتراكى، خاطبت الرئيس وقتها فى برنامج تليفزيونى وشكرته، لكنى حذرته بأن هذا الموضوع لن يمر بسهولة ولن يرى التطبيق بعد الصدور، لأننى كنت على يقين أن جهاز المدعى الاشتراكى «مرتع مصالح» لكبار المسئولين، وقد صدق حدسى، وبالفعل تآمر المسئولون ولم يمكنوا مصر وشعبها من أن ينعم بإلغاء نظام جهاز المدعى الاشتراكى، وذلك بتعطيل الدستور بعد التعديل، وعلى رأس ممن قاموا بهذا الدكتور أحمد فتحى سرور والمدعى الاشتراكى، حيث ظل التعديل رهن التجميد 18 شهرا، رغم أن التعديل الدستورى ينفذ لحظة إعلان نتيجة الاستفتاء على التعديل، والتى ظهرت فى 31 مارس 2007، ولم تر النور إلا فى شهر سبتمبر 2008.
● فى رأيك هل سيكون هناك تلاعب فى التحقيقات الحالية خاصة وسط حديث بأن الاستيلاء على الأراضى وسلب الأموال كان يتم بالقانون؟
ــ كلمة كله بالقانون كلمة خاطئة، فالذى ينظم الفساد ليس القانون، ولكن إساءة تطبيق القانون.. وشهادة لوجه الله؛ الجهد الذى تبذله النيابة العامة كبير. القضايا كثيرة والجهد فوق التصور، والجهات التى تعين النائب العام أثبتت جدارتها، ولا خلل يصيب تحقيقات النيابة العامة أو قراراتها الخاصة بالمنع من السفر والمنع من التصرف فى الأموال، ولا مصلحة لأحد فى النيابة العامة ــ بعكس المدعى العام الاشتراكى ــ فى أن ينحرف أو يتجاوز.
● هل تتوقع أن يتم التحقيق مع الرئيس السابق حسنى مبارك فعلا؟
ــ النائب العام إلى الآن قطع كل شك بيقين، فقدم للتحقيق والمحاكمة عناصر حاكمة ما كان يتصور ولا فى الأحلام أن تصادف ما جرى لها.. التساؤل يصب فقط بالنسبة للرئيس مبارك، وهنا أود أن أذكر الجميع أن النائب العام هو الآن فى مواجهة فعلية مع الرئيس مبارك وزوجته وأولاده، حيث أصدر بحقهم قرارات جريئة جدا بمنعهم من السفر والتصرف فى أموالهم، والتحفظ عليها.
فى حساباتى أنا أن مبارك وعائلته سيحاكمون، وإلا ما كان مبررا لإجراءات النيابة العامة التى اتخذتها، إلا أن هذه القرارات لا توجب الحضور لأن ما تفعله محكمة الجنايات فى رقابتها على هذه القرارات هو أن تعدل فى قرارات أو توافق عليها أو تلغيها، فدائرة الحركة أمام هذه المحكمة ليس بها أشخاص، لكن عندما يحين وقت المحاكمة فلا مفر من إجرائها إلا فى بعض الأحوال، مثل أن تكون الجلسة سرية.
● هل هناك إمكانية انتقال المحقق إلى مقر إقامة مبارك فى شرم الشيخ؟
ــ أتصور أن من سيحقق مع مبارك وعائلته، هو المستشار المحامى العام الأول لنيابات الأموال العامة، وهو من أفضل من شغل هذا المنصب، ولا ضير أن ينتقل إلى المقر الذى يوجد به المريض، فالمرضى فى المستشفيات تنتقل النيابة إليهم، ولن تكون بدعة.
● هل هناك تشريعات أو ضمانات للحد من انتشار الفساد بالشكل الذى نراه حاليا؟
ــ هذا يعيدنا إلى نقطة الفساد بالقانون، فالفساد فى التطبيق كما قلت، لكن مع كل حدث تظهر أشياء، فهناك قوانين فعلا يصلح تسميتها بقوانين الفساد، مثل قوانين الخصخصة ومباشرة الحقوق السياسية وقانون مجلسى الشعب والشورى، على سبيل المثال، مجلس الشورى معظم أعضائه معينون، وهذا بنص القانون، إنما من قال إن المجالس النيابية تشكل بالتعيين وليس بالانتخاب؟، ومن قال إن القوانين الشرطية تجيز لقطاع الشرطة ما هو قائم الآن؟.
وهنا اعتب على أخى العزيز المستشار طارق البشرى أنه وعد بعد تعديلات المواد الست المشهورة، أن يمد بصره إلى القوانين المكملة للدستور والتى سبق ذكرها، ولكنه لم يفعل، مما يدفعنى للتحذير من إجراء استفتاءات أو انتخابات سواء تشريعية أو رئاسية، لأن هذه القوانين فى حالة عدم تعديها ستكون غير متناغمة مع التعديلات الأخيرة، وقد أرسلت برقية للمشير طنطاوى باعتباره رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وقلت له «لسنا فى عجلة فقد عشنا 30 سنة من الذل والهوان، ألا تستحق الكرامة والعزة بضعة شهور، أو حتى بضع سنين» واقترحت عليه عدة نقاط، أولها أنه لا يجوز الاستمرار فى عملية ترقيع الدستور، وفى رأيى أن فى هذا إهانة للشعب، وكأنه طفل رضيع نخشى عليه من الوجبات الدسمة، ثانيا، أن المستشار البشرى ظن أن مصر مصابة بصداع نصفى، فاستجلب لها 6 أقراص لعلاج هذا الصداع، بينما مصر مصابة بانسداد فى جميع شرايين جسمها، والعلاج فى دستور جديد كامل.. وثالثا، أنه لا أحد ينكر أن الأمن فى مصر لم يستقر بعد، والانتخابات والاستفتاءات عمادها الرئيسى الأمن.. ورابعا، أنه مع بدء ظهور ما نسميه بالثورة المضادة لابد أن نفهم أنه كلما اقتربت مصر من التصرف كدولة كلما اشتدت قوى الفساد، لأن المعركة قد تكون الأخيرة بين الثورة والثورة المضادة.. وأنا مازلت على رأيى بأن إجراء الاستفتاء والانتخابات سيحيق بمصر أفدح الأضرار التى قد يكون من نتائجها نجاح الثورة المضادة.
● هناك اقتراح بتشكيل مجلس رئاسى مدنى.. ما رأيك؟
ــ اقتراح المجلس الرئاسى «ظريف» وليس مجال اعتراض كامل، لكن به قصور فى فهم الأحداث، فالمجلس العسكرى لا يأتى للحكم فقط لكن ليحمى ويدعم الأجهزة الأمنية، ومما لا شك فيه ــ وأرجو أن يتذكر المصريون هذا ــ أن تواجد المجلس الأعلى للقوات المسلحة أنقذ مصر، وغيابه قد يدمر مصر، ليست مسألة من يحكم لكن من يحمى.. وأحب أكرر أن المواد الست لن تنقذ مصر سواء عدلت أم لم لا، كما أنها بطبيعة الظروف سيتم إلغاؤها عند وضع دستور كامل.. وأنا فى رأيى أن نصرف النظر عن هذه المواد مع خالص الشكر للبشرى وباقى أعضاء اللجنة، وعلينا أن نبدأ التفكير فى دستور كامل قبل الحديث عن غياب المجلس الأعلى للقوات المسحلة، فضلا عن إصلاح كامل لجميع القوانين المكملة للدستور، وتثقيف الجماهير كى تفهم أهمية وخطورة الاستفتاءات والترشيحات، بمعنى أن الناس كلها لازم تتأكد أن هذه الاستفتاءات والانتخابات تجرى فى مناخ من الشفافية، وهذا ما أشك فيه.
وأذكر أن «الحبات الست بتاعة طارق البشرى» هى محل معارضة شديد من فئات كثيرة فى الدولة، بلغت حدا يتساءل فيه الناس للجنة البشرى «من أنتم حتى تديروا لنا أمور المستقبل؟» وهذا أغضب طارق البشرى كثيرا. والأشد ضراوة أن بعض أعضاء اللجنة أكدوا أنهم لم يكونوا على توافق تام على هذه المواد.
● ما مدى السلامة القانونية التى تتم بها التعديلات الدستورية الحالية؟
ــ لابد أن نتعلم التعبير الدقيق، ليست غير قانونية ولكن غير موفقة وغير نافعة، فضلا عن أننا نريد أن نستقر لجذب الاستثمار «قبل أن نفلس»، ثم إن البيوت تبنى من أسفلها لا من أعلاها وأكثر أجزائها صلابة ما كان تحت الأرض.
● هل ترى فى مصر استقلالا حقيقيا للقضاء؟
ــ مادام كانت هناك وزارة اسمها وزارة العدل فلا استقلال للقضاء، وإن أردنا للقضاء استقلالا لابد من إلغاء هذه الوزارة، على أن يتولى اختصاصاتها مجلس القضاء الأعلى، وقتها سيكون الاستقلال حقيقيا.. إنما أن تكون إدارة التفتيش القضائى تابعة لوزير العدل، ومواد كثيرة فى قانون الإجراءات الجنائية ينفرد بالسلطة فيها وزير العدل، ومحاكمات القضاة بطلب منه أيضا، فلا يصح لجهة إدارية أن تباشر أمرا يتعلق بالقضاء، وهنا أشير إلى أن منصة القضاء لا يعتليها غير القاضى، وهذا للأسف لا يحدث فى مصر.. وإمعانا فى الاقتحام لسلطة القضاء، هناك قوانين كثيرة تسمح للموظفين الإداريين أن يعتلوا منصة القضاء، فمثلا محكمة الأحزاب والقيم من بين تشكيلاتها أفراد غير قضاة، فكيف نطمئن على سلامة العدالة وصناعها ليسوا قضاة، وفى المقابل لا يجوز للقضاة أن يعملوا فى أحضان الجهات الإدارية أو الشركات أو ما إلى ذلك، وهو ما يسمى بندب القضاة، ولابد من تحريم هذا الندب لتكتمل الصورة «المنصة لا يعلوها إلا قاض والقاضى لا يجلس إلا على منصة».
● هل توجد قوانين فى الخارج توازى قانون الكسب غير المشروع؟
ــ نعم، لكن مأساة هذا القانون شىء واحد وهو افتراضه وقوع الجريمة، فسلطات التحقيق تحقق الجريمة مع مرتكبها تحت شعار «المتهم برىء حتى تثبت إدانته»، والمتهم لا يطلب منه إثبات براءته، فالنيابة هى المسئولة عن إثبات إدانته، وهذا عكس ما هو موجود فى قانون الكسب غير المشروع.
ملحوظة أخرى على أعمال جهاز الكسب غير المشروع أنه يركن كثيرا فى قضاياه لجهاز الرقابة الإدارية، الذى أرى أنه يعهد بأخطر أموره إلى أعضاء صغار فى السن قليلى الكفاءة، فجهاز الرقابة الإدارية يقترب كثيرا من عيوب مباحث أمن الدولة، على الأقل فى التنافس غير المشروع القائم بينهما، فهم يباشرون القضايا «بعنجهية» شديدة، وأنا لا أوصى بإلغاء الرقابة الإدارية، ولكن بتصحيح مسار أعضائها، واكتساب خبرة كبيرة، وتفهيم أعضائها أنهم ليسوا أسياد البلد وأن أداءهم لابد أن يخلو من مغبة السلطة، وكم من القضايا فسدت بسبب عيوب فى الرقابة الإدارية.
● نتحدث عن حجم فساد يصعب استيعابه، كيف يمكن حصر كل هذه القضايا؟
ــ واجب حتمى على النائب العام وأعوانه التصدى بكل حزم لقضايا الفساد، فإن كثرت وصعبت عليهم فالمسألة فى غاية البساطة، إما تعيين عدد كافٍ فى النيابة العامة لمواجهة هذه الزيادات، أو استعارة أعضاء من القضاء لتولى التحقيق تحت نظام «مستشار التحقيق»، أما كثرة القضايا فلا يمكن أن تكون عذرا لا لتقصير أو عجز عن مواجهتها.
● هل يمكن استعادة الأموال المنهوبة من الخارج؟
ــ أود أولا أن أقول إن النيابة العامة عليها ألا ترهق نفسها الآن فى قضايا الانحراف بالأراضى، فالأراضى لن تهرب، وما أصابها من انحراف يمكن أن يحل فى ثانية، وأشير هنا إلى أرض «مدينتى»، فالدولة استطاعت أن تجمع 11 مليار جنيه والتصدى لهشام طلعت مصطفى، فلابد أن يكون الاهتمام بالأموال السائلة أو ما نسميه المنقولة، أما العقارات فلا خوف عليها، والأراضى التى أمسكت الدولة بتلابيبها تشكل جزءا تافها من حجم الأراضى المنهوبة فى عرض البلاد وطولها.
وقد كان لى تجربة بخصوص الأموال، والأرصدة السائلة أثناء وجودى فى جهاز المدعى العام الاشتراكى، حيث كنت قبل التحقيق مع المتهم أو بعده أعرض عليه أن يبادر إلى سداد هذه الأموال للخزانة العامة، ولى فى هذا باع طويل، وهنا نكون ضربنا عصفورين بحجر، فبدلا من التحفظ على الأموال، ننقلها بإرادة المتهم إلى الخزانة العامة للدولة، ووفقا للمبالغ التى ذكرتها الصحف فإنها كفيلة بحل كل مشاكل مصر. وللعلم هناك فى مصر قوانين كثيرة تنظم هذه الفكرة وتطبقها خاصة فى قضايا البنوك، وفيها تنقضى الدعوى الجنائية وليس فقط تخفيف الحكم.
المستشار حسني عبد الحميد مساعد المدعي الاشتراكي الأسبق
كانت مهمته محاربة الفساد.. واجه قضايا وملفات صعبة أثناء توليه منصب مساعد المدعى العام الاشتراكى، من بينها قضايا فساد تخص عصمت السادات، ورئيس جامعة عين شمس، إلى جانب ملفات تجار العملة، وقضية لقبت وقتها بـ«سيد الجمارك المصرية»، ورغم ذلك وصف المستشار حسنى عبدالحميد الفساد الذى كان يواجهه فى الثمانينيات بأنه كان مجرد «طفل» مقارنة بالفساد الذى زخر به عصر مبارك.
عُين المستشار حسنى عبدالحميد عقب تخرجه فى كلية الحقوق عام 1957، فى هيئة قضاء الدولة، ثم تم ندبه محاميا للحكومة السورية خلال فترة الوحدة مع مصر، وبعد عودته ندب للعمل فى لجنة تصفية الإقطاع برئاسة المشير عبدالحكيم عامر، ثم مستشارا قانونيا لمؤسسة روزاليوسف، ثم رئيسا لمحكمة أسيوط الإدارية والتأديبية، ليفاجأ بخبر فى جريدة الأهرام بقرار ندبه مساعدا للمدعى العام الاشتراكى فى 11 أغسطس 1980 ليظل فى منصبه حتى عام 1986.
6 سنوات قضاها عبدالحميد فى هذا المنصب لكنه شعر، بحسب وصفه، أنها كانت 60 عاما.. واجه خلالها أحداثا وقضايا عصيبة، قال إنه كان يتمنى لو أنه لم يشغل هذا المنصب على الإطلاق، بسبب ما واجهه من قضايا فساد.
● ما أهم القضايا التى باشرتها أثناء توليك منصب المدعى العام الاشتراكى؟
ــ أولا أود أن أقول إن أسوأ ما فى جهاز المدعى العام الاشتراكى أنه جهاز استثنائى، لا يحفل فى مجال الإدانة بتوافر الأدلة ولكنه يأخذ بالشبهات، وهى مسألة كانت تؤلم ضميرى كرجل قضاء لا يحكم إلا بالأدلة والبراهين، لكنى استطعت أن أوفر «توليفة» تبرز فيها الأدلة وليس الشبهات.
أذكر أن أول قضية باشرتها كانت فرض الحراسة على الدكتور عبدالعزيز سليمان، رئيس جامعة عين شمس، وكانت محاكمته محل رفض هيئات كثيرة وقبول هيئات أخرى.
وهناك قضية عصمت السادات، شقيق الرئيس الراحل أنور السادات، والتى تناولتها بناء على طلب من الرئيس مبارك شخصيا، وكثيرا ما كان الجهاز يركن فى تحركاته إلى الشبهات؛ وقد نسب إليهم استغلال صلة القرابة بالرئيس الراحل، ليأتوا أفعالا يعاقب عليها قانون المدعى العام الاشتراكى، ولم تكن قضية سهلة لأنها شهدت أحداثا عصيبة على رأسها إيداع عصمت السادات وأولاده سنة بالسجن تحت مسمى الإيداع فى مكان أمين.
أذكر أيضا قضية تجار العملة التى كانت تستمد خطورتها من أن الخزانة المصرية فى هذه الفترة لم يكن فيها دولار واحد، وكانت الغلبة والريادة لتجار العملة خاصة فى الخليج، حيث كانت مصر تعتمد عليهم لتجميع العملات الأجنبية.
وهناك قضية تاجر أخشاب الإسكندرية، رشاد عثمان، وكان طاغية فعلا، لا يفرق عن أحمد عز فى شىء، غير أن الأخير متعلم بينما عثمان كان لا يعرف القراءة والكتابة، لكنه كان يسيطر على أعضاء مجلس الشعب وكان منتميا للحزب الوطنى الديمقراطى فى عصر مبارك، وما يريده يتم تنفيذه، وكانت قضيته مخدرات و«تهرب جمركى»، وكان يطلق عليه وقتها «سيد الجمارك المصرية».
ومن أخطر الأحداث التى حملت فى رحمها تطورات اليوم، المصرف العربى الدولى، الذى يقوم قانونه أو قاعدة تأسيسه على السرية الكاملة لأسماء العملاء وأرصدتهم، ولا يجوز لأى سلطة فى مصر أيا كان موقعها أن تفرض على البنك الكشف عن حسابات أحد، ومن حقى اليوم أن أفخر بأننى كنت المسئول الأول والأخير الذى فرض على هذا البنك الكشف عن حسابات الخاضعين لقانون المدعى العام الاشتراكى، وكان هذا فى عهد رجل من أعظم رجال مصر، هو الدكتور مصطفى خليل رئيس البنك وقتها، والذى كان رجلا طاهر اليد لا تشوبه شائبة، وكان البنك فى أعظم أمجاده، وقد حيانى على جهودى فى الكشف على الحسابات، على عكس ما يحدث اليوم، وما أثير من أن رءوس الأموال هربت من خلال البنك الذى لا يتم التعامل فيه إلا بالعملات الأجنبية، وقمنا بنقل الأرصدة المحجوز عليها إلى البنوك القومية، ليحرم البنك العربى الدولى منها وتستفيد منها البنوك المصرية القومية، وظللت على هذا المنوال فى أدائى حتى تركت مكتب المدعى العام إثر خلاف حاد مع رئيسه.
● تقول إن مبارك كان شديد الإعجاب بأدائك، هل حاول الاتصال بك بعد تركك للجهاز؟
ــ بعد تركى للجهاز رشحنى مبارك لمنصب كبير، وأبلغنى به فى هذا الوقت الدكتور مصطفى الفقى الذى كان يشغل منصب مدير مكتب الرئيس للشئون السياسية، لكن الغريب أن هذا الترشيح لم يكتمل لأن الرئيس كان به ضيق من جهتى بسبب كثرة أحاديثى الصحفية بعد تركى العمل، حيث أجريت وقتها 38 حديثا لصحف مصرية وأجنبية، وكان الرئيس لا يتقبل هذا بارتياح، فقال لى الفقى «من اليوم لا تجرى أحاديث»، فوافقت لكن إرادة ربنا كانت أعلى، حيث كان هناك حواران أدليت بهما ولم ينشرا إلا بعد هذا الوعد، فظن الرئيس أنى أخالفه، فتراجع عن الترشيح.
● أثناء عملك فى الجهاز هل مورست عليك ضغوط لإصدار أحكام بعينها؟
ــ الموت عندى أهون مما تقولين، فهذا لم يحدث أبدا.
● بعد تركك للمنصب.. ما رأيك فى أداء جهاز المدعى العام الاشتراكى هل كان يستخدم لأغراض بعينها؟
ــ بلا جدال، فالمذكرة الإيضاحية لقانون المدعى العام الاشتراكى كانت تتحدث عن المسئولية السياسية وليس المسئولية القضائية، وكان هذا لا يرضينى، فكان يستخدم للإطاحة بالمنافسين السياسيين، وكنت أبذل جهدا لإثبات الأفعال المحرمة فى قانون المدعى العام الاشتراكى بالأدلة وليس بالشبهات.
يشار إلى أنه بحسب المادة 179من الدستور، يكون المدعى العام الاشتراكى مسئولا عن اتخاذ الإجراءات التى تكفل تأمين حقوق الشعب، وسلامة المجتمع ونظامه السياسى، والحفاظ على المكاسب الاشتراكية والتزام السلوك الاشتراكى، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى، ويكون خاضعا لرقابة مجلس الشعب، وذلك كله على الوجه المبين فى القانون.
● كيف تلقيت قرار حل جهاز المدعى العام الاشتراكى عام 2007، وما تقييمك له؟
ــ لا أخفيك أننى ناديت كثيرا بحل الجهاز فى الصحف والقنوات، وهاجمت الجهاز والمدعى نفسه وأحداث الفساد داخله، والتى كانت تفوق الوصف، رغم أنه كان مفترضا أن يحارب الفساد، وشملت رشاوى ومجاملات ومحاربة لليد النقية، وهو ما انتهى بقرار إنهاء ندبى بعد أن أصبح رئيسه غير قادر على تحمل العمل النظيف، ولم أفكر فى أن الحرب التى شنتها على الجهاز تنتهى بإلغائه.
وبعد تعديلات الدستور التى ألغت المادة 179 الخاصة بالمدعى العام الاشتراكى، خاطبت الرئيس وقتها فى برنامج تليفزيونى وشكرته، لكنى حذرته بأن هذا الموضوع لن يمر بسهولة ولن يرى التطبيق بعد الصدور، لأننى كنت على يقين أن جهاز المدعى الاشتراكى «مرتع مصالح» لكبار المسئولين، وقد صدق حدسى، وبالفعل تآمر المسئولون ولم يمكنوا مصر وشعبها من أن ينعم بإلغاء نظام جهاز المدعى الاشتراكى، وذلك بتعطيل الدستور بعد التعديل، وعلى رأس ممن قاموا بهذا الدكتور أحمد فتحى سرور والمدعى الاشتراكى، حيث ظل التعديل رهن التجميد 18 شهرا، رغم أن التعديل الدستورى ينفذ لحظة إعلان نتيجة الاستفتاء على التعديل، والتى ظهرت فى 31 مارس 2007، ولم تر النور إلا فى شهر سبتمبر 2008.
● فى رأيك هل سيكون هناك تلاعب فى التحقيقات الحالية خاصة وسط حديث بأن الاستيلاء على الأراضى وسلب الأموال كان يتم بالقانون؟
ــ كلمة كله بالقانون كلمة خاطئة، فالذى ينظم الفساد ليس القانون، ولكن إساءة تطبيق القانون.. وشهادة لوجه الله؛ الجهد الذى تبذله النيابة العامة كبير. القضايا كثيرة والجهد فوق التصور، والجهات التى تعين النائب العام أثبتت جدارتها، ولا خلل يصيب تحقيقات النيابة العامة أو قراراتها الخاصة بالمنع من السفر والمنع من التصرف فى الأموال، ولا مصلحة لأحد فى النيابة العامة ــ بعكس المدعى العام الاشتراكى ــ فى أن ينحرف أو يتجاوز.
● هل تتوقع أن يتم التحقيق مع الرئيس السابق حسنى مبارك فعلا؟
ــ النائب العام إلى الآن قطع كل شك بيقين، فقدم للتحقيق والمحاكمة عناصر حاكمة ما كان يتصور ولا فى الأحلام أن تصادف ما جرى لها.. التساؤل يصب فقط بالنسبة للرئيس مبارك، وهنا أود أن أذكر الجميع أن النائب العام هو الآن فى مواجهة فعلية مع الرئيس مبارك وزوجته وأولاده، حيث أصدر بحقهم قرارات جريئة جدا بمنعهم من السفر والتصرف فى أموالهم، والتحفظ عليها.
فى حساباتى أنا أن مبارك وعائلته سيحاكمون، وإلا ما كان مبررا لإجراءات النيابة العامة التى اتخذتها، إلا أن هذه القرارات لا توجب الحضور لأن ما تفعله محكمة الجنايات فى رقابتها على هذه القرارات هو أن تعدل فى قرارات أو توافق عليها أو تلغيها، فدائرة الحركة أمام هذه المحكمة ليس بها أشخاص، لكن عندما يحين وقت المحاكمة فلا مفر من إجرائها إلا فى بعض الأحوال، مثل أن تكون الجلسة سرية.
● هل هناك إمكانية انتقال المحقق إلى مقر إقامة مبارك فى شرم الشيخ؟
ــ أتصور أن من سيحقق مع مبارك وعائلته، هو المستشار المحامى العام الأول لنيابات الأموال العامة، وهو من أفضل من شغل هذا المنصب، ولا ضير أن ينتقل إلى المقر الذى يوجد به المريض، فالمرضى فى المستشفيات تنتقل النيابة إليهم، ولن تكون بدعة.
● هل هناك تشريعات أو ضمانات للحد من انتشار الفساد بالشكل الذى نراه حاليا؟
ــ هذا يعيدنا إلى نقطة الفساد بالقانون، فالفساد فى التطبيق كما قلت، لكن مع كل حدث تظهر أشياء، فهناك قوانين فعلا يصلح تسميتها بقوانين الفساد، مثل قوانين الخصخصة ومباشرة الحقوق السياسية وقانون مجلسى الشعب والشورى، على سبيل المثال، مجلس الشورى معظم أعضائه معينون، وهذا بنص القانون، إنما من قال إن المجالس النيابية تشكل بالتعيين وليس بالانتخاب؟، ومن قال إن القوانين الشرطية تجيز لقطاع الشرطة ما هو قائم الآن؟.
وهنا اعتب على أخى العزيز المستشار طارق البشرى أنه وعد بعد تعديلات المواد الست المشهورة، أن يمد بصره إلى القوانين المكملة للدستور والتى سبق ذكرها، ولكنه لم يفعل، مما يدفعنى للتحذير من إجراء استفتاءات أو انتخابات سواء تشريعية أو رئاسية، لأن هذه القوانين فى حالة عدم تعديها ستكون غير متناغمة مع التعديلات الأخيرة، وقد أرسلت برقية للمشير طنطاوى باعتباره رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وقلت له «لسنا فى عجلة فقد عشنا 30 سنة من الذل والهوان، ألا تستحق الكرامة والعزة بضعة شهور، أو حتى بضع سنين» واقترحت عليه عدة نقاط، أولها أنه لا يجوز الاستمرار فى عملية ترقيع الدستور، وفى رأيى أن فى هذا إهانة للشعب، وكأنه طفل رضيع نخشى عليه من الوجبات الدسمة، ثانيا، أن المستشار البشرى ظن أن مصر مصابة بصداع نصفى، فاستجلب لها 6 أقراص لعلاج هذا الصداع، بينما مصر مصابة بانسداد فى جميع شرايين جسمها، والعلاج فى دستور جديد كامل.. وثالثا، أنه لا أحد ينكر أن الأمن فى مصر لم يستقر بعد، والانتخابات والاستفتاءات عمادها الرئيسى الأمن.. ورابعا، أنه مع بدء ظهور ما نسميه بالثورة المضادة لابد أن نفهم أنه كلما اقتربت مصر من التصرف كدولة كلما اشتدت قوى الفساد، لأن المعركة قد تكون الأخيرة بين الثورة والثورة المضادة.. وأنا مازلت على رأيى بأن إجراء الاستفتاء والانتخابات سيحيق بمصر أفدح الأضرار التى قد يكون من نتائجها نجاح الثورة المضادة.
● هناك اقتراح بتشكيل مجلس رئاسى مدنى.. ما رأيك؟
ــ اقتراح المجلس الرئاسى «ظريف» وليس مجال اعتراض كامل، لكن به قصور فى فهم الأحداث، فالمجلس العسكرى لا يأتى للحكم فقط لكن ليحمى ويدعم الأجهزة الأمنية، ومما لا شك فيه ــ وأرجو أن يتذكر المصريون هذا ــ أن تواجد المجلس الأعلى للقوات المسلحة أنقذ مصر، وغيابه قد يدمر مصر، ليست مسألة من يحكم لكن من يحمى.. وأحب أكرر أن المواد الست لن تنقذ مصر سواء عدلت أم لم لا، كما أنها بطبيعة الظروف سيتم إلغاؤها عند وضع دستور كامل.. وأنا فى رأيى أن نصرف النظر عن هذه المواد مع خالص الشكر للبشرى وباقى أعضاء اللجنة، وعلينا أن نبدأ التفكير فى دستور كامل قبل الحديث عن غياب المجلس الأعلى للقوات المسحلة، فضلا عن إصلاح كامل لجميع القوانين المكملة للدستور، وتثقيف الجماهير كى تفهم أهمية وخطورة الاستفتاءات والترشيحات، بمعنى أن الناس كلها لازم تتأكد أن هذه الاستفتاءات والانتخابات تجرى فى مناخ من الشفافية، وهذا ما أشك فيه.
وأذكر أن «الحبات الست بتاعة طارق البشرى» هى محل معارضة شديد من فئات كثيرة فى الدولة، بلغت حدا يتساءل فيه الناس للجنة البشرى «من أنتم حتى تديروا لنا أمور المستقبل؟» وهذا أغضب طارق البشرى كثيرا. والأشد ضراوة أن بعض أعضاء اللجنة أكدوا أنهم لم يكونوا على توافق تام على هذه المواد.
● ما مدى السلامة القانونية التى تتم بها التعديلات الدستورية الحالية؟
ــ لابد أن نتعلم التعبير الدقيق، ليست غير قانونية ولكن غير موفقة وغير نافعة، فضلا عن أننا نريد أن نستقر لجذب الاستثمار «قبل أن نفلس»، ثم إن البيوت تبنى من أسفلها لا من أعلاها وأكثر أجزائها صلابة ما كان تحت الأرض.
● هل ترى فى مصر استقلالا حقيقيا للقضاء؟
ــ مادام كانت هناك وزارة اسمها وزارة العدل فلا استقلال للقضاء، وإن أردنا للقضاء استقلالا لابد من إلغاء هذه الوزارة، على أن يتولى اختصاصاتها مجلس القضاء الأعلى، وقتها سيكون الاستقلال حقيقيا.. إنما أن تكون إدارة التفتيش القضائى تابعة لوزير العدل، ومواد كثيرة فى قانون الإجراءات الجنائية ينفرد بالسلطة فيها وزير العدل، ومحاكمات القضاة بطلب منه أيضا، فلا يصح لجهة إدارية أن تباشر أمرا يتعلق بالقضاء، وهنا أشير إلى أن منصة القضاء لا يعتليها غير القاضى، وهذا للأسف لا يحدث فى مصر.. وإمعانا فى الاقتحام لسلطة القضاء، هناك قوانين كثيرة تسمح للموظفين الإداريين أن يعتلوا منصة القضاء، فمثلا محكمة الأحزاب والقيم من بين تشكيلاتها أفراد غير قضاة، فكيف نطمئن على سلامة العدالة وصناعها ليسوا قضاة، وفى المقابل لا يجوز للقضاة أن يعملوا فى أحضان الجهات الإدارية أو الشركات أو ما إلى ذلك، وهو ما يسمى بندب القضاة، ولابد من تحريم هذا الندب لتكتمل الصورة «المنصة لا يعلوها إلا قاض والقاضى لا يجلس إلا على منصة».
● هل توجد قوانين فى الخارج توازى قانون الكسب غير المشروع؟
ــ نعم، لكن مأساة هذا القانون شىء واحد وهو افتراضه وقوع الجريمة، فسلطات التحقيق تحقق الجريمة مع مرتكبها تحت شعار «المتهم برىء حتى تثبت إدانته»، والمتهم لا يطلب منه إثبات براءته، فالنيابة هى المسئولة عن إثبات إدانته، وهذا عكس ما هو موجود فى قانون الكسب غير المشروع.
ملحوظة أخرى على أعمال جهاز الكسب غير المشروع أنه يركن كثيرا فى قضاياه لجهاز الرقابة الإدارية، الذى أرى أنه يعهد بأخطر أموره إلى أعضاء صغار فى السن قليلى الكفاءة، فجهاز الرقابة الإدارية يقترب كثيرا من عيوب مباحث أمن الدولة، على الأقل فى التنافس غير المشروع القائم بينهما، فهم يباشرون القضايا «بعنجهية» شديدة، وأنا لا أوصى بإلغاء الرقابة الإدارية، ولكن بتصحيح مسار أعضائها، واكتساب خبرة كبيرة، وتفهيم أعضائها أنهم ليسوا أسياد البلد وأن أداءهم لابد أن يخلو من مغبة السلطة، وكم من القضايا فسدت بسبب عيوب فى الرقابة الإدارية.
● نتحدث عن حجم فساد يصعب استيعابه، كيف يمكن حصر كل هذه القضايا؟
ــ واجب حتمى على النائب العام وأعوانه التصدى بكل حزم لقضايا الفساد، فإن كثرت وصعبت عليهم فالمسألة فى غاية البساطة، إما تعيين عدد كافٍ فى النيابة العامة لمواجهة هذه الزيادات، أو استعارة أعضاء من القضاء لتولى التحقيق تحت نظام «مستشار التحقيق»، أما كثرة القضايا فلا يمكن أن تكون عذرا لا لتقصير أو عجز عن مواجهتها.
● هل يمكن استعادة الأموال المنهوبة من الخارج؟
ــ أود أولا أن أقول إن النيابة العامة عليها ألا ترهق نفسها الآن فى قضايا الانحراف بالأراضى، فالأراضى لن تهرب، وما أصابها من انحراف يمكن أن يحل فى ثانية، وأشير هنا إلى أرض «مدينتى»، فالدولة استطاعت أن تجمع 11 مليار جنيه والتصدى لهشام طلعت مصطفى، فلابد أن يكون الاهتمام بالأموال السائلة أو ما نسميه المنقولة، أما العقارات فلا خوف عليها، والأراضى التى أمسكت الدولة بتلابيبها تشكل جزءا تافها من حجم الأراضى المنهوبة فى عرض البلاد وطولها.
وقد كان لى تجربة بخصوص الأموال، والأرصدة السائلة أثناء وجودى فى جهاز المدعى العام الاشتراكى، حيث كنت قبل التحقيق مع المتهم أو بعده أعرض عليه أن يبادر إلى سداد هذه الأموال للخزانة العامة، ولى فى هذا باع طويل، وهنا نكون ضربنا عصفورين بحجر، فبدلا من التحفظ على الأموال، ننقلها بإرادة المتهم إلى الخزانة العامة للدولة، ووفقا للمبالغ التى ذكرتها الصحف فإنها كفيلة بحل كل مشاكل مصر. وللعلم هناك فى مصر قوانين كثيرة تنظم هذه الفكرة وتطبقها خاصة فى قضايا البنوك، وفيها تنقضى الدعوى الجنائية وليس فقط تخفيف الحكم.